الانتقالي.. هل هو حليف مأمون ومستديم للرياض وأبوظبي؟
يمنات
عاد وفد الانتقالي من الرياض حاملاً تحذير الرياض من لعب قادة الانتقالي وقواته بالنار في مفاقمة الصراع. في سلسلة من الأحداث والمواقف الماضية، عبرت الحكومة بشكل متكرر عن انزعاجها من سلوك الانتقالي والامارات في اعاقة عملها وتخريب مصالحها وحلفائها، وعرقلة اتفاق الرياض. بات المطلوب من الانتقالي، خليجياً قبول وتهيئة الأجواء لعودة رئيس الحكومة وبقية الأطراف المشاركة فيها، والعودة لبيت الطاعة لمن يصفها بـ “جماعة الجنرال علي محسن”، نائب الرئيس، حليف السعودية القديم والمُفضل.
الانتقالي، المُشارك بالحكم الائتلافي، يحشد مناصريه، كمعارضة، للنزول إلى الشارع، للمطالبة بشكل فضفاض بالوقوف ضد من يصفه بـ الارهابيين، حلفاءه السياسيين في الحكومة، متسولاً دعم ومؤازرة رعاة التوجه الاقليمي والدولي في مكافحة الارهاب له لتمكينه من بسط سيطرته العسكرية على المحافظات الجنوبية. أطلق مغردو الانتقالي لغة تهديد ووعيد ضد السعودية بعد قمع أجهزة الأمن الموالية للرئيس هادي لأنصارهم في تظاهرة يوم أمس بمحافظة شبوة، طالبت بعضها بـ “رحيل القوات السعودية من الجنوب”. المظاهرات التي دعا إليها الانتقالي أتت على خلفية فرض تعيين مدير أمن جديد لمديرية لودر من قبل وزير الداخلية بالقوة بديلاً عن آخر موال للانتقالي، تخللته اشتباكات مسلحة بين الطرفين، وتراكمات أخرى سبقتها من قبل، أهمها حادثة اقتحام قصر معاشيق من قبل متضاهرين، نسبت إليه، في مارس 2021.
واصلت العملة الوطنية تدهورها أمام العملات الأجنبية إلى مستوى قياسي، حيث وصل سعر الصرف في عدن إلى 260 للريال السعودي، و960 للدولار الأمريكي، كما ارتفعت الأسعار بشكل كبير. وتشهد مدينة عدن ولحج وأبين تدهوراً غير مسبوق في الخدمات خصوصاً الكهرباء في ظل فصل الصيف، وسط تزايد سخط السكان، اللذين لا تخلو أحاديثهم من لعن الانتقالي والاطراف الأخرى المشاركة في الحكومة في وسائل التواصل الاجتماعي والأحياء والشوارع..
احراق سمعة الانتقالي، المُكلف بحراسة المقرات العسكرية الأجنبية، واخماد قاعدة مناصريه، قد تكون مقدمة لتفكيكه عسكريا، والامارات غير مستعدة لدفع دولار واحد لتبييض وجه حليفها العاجز أمام “شعب الجنوب”، كما يفضل تسميته، حتى كبدل ايجار للجزر المقتطعة من جسد اليمنيين ولحمهم!
الحكومة الائتلافية الفاشلة، المخولة بالإدارة، ومن ورائها السعودية والامارات تتعمد تجاهل مسؤوليتها تجاه هذا الوضع الاقتصادي المأساوي لليمنيينن، الذي وصفته الأمم المتحدة بـ “الشبيه بالمجاعة”. إذ يفترض بالسعودية والامارات تقديم منح مالية عاجلة لانقاذ اليمنيين، كجزء من واجبها لتعويض كلفة الحرب في اليمن، حيث تسببت بجرائم وانتهاكات نجمت عنها خسائر بشرية ومادية لا حصر لها منذ بدء الحرب، ألحقت ضررا بالغاً في مصالح اليمنيين، شملت حصاراً خانقاً واستهدافا متعمدا للمدنيين والمقومات الاقتصادية والبنى التحتية، وتعطيل الموارد، نتجت في مجملها عن قتل عشرات الألاف، وهدم مئات المساكن والمنشئات، وتجويع وافقار الملايين.
لم تشفع للانتقالي التعهدات التي قطعها للإمارات والسعودية بالوقوف ضد المد الايراني والاخوان المسلمين في المنطقة لخدمة مشروعه الانفصالي الاستئصالي، بدء من نزع جلده الوطني والتنكر لهويته اليمنية، مطلقاً على نفسه مسمى الكيان الاستعماري البريطاني “الجنوب العربي”، لمخاتلة وتملق الأقوياء من المملكة المتحدة إلى محيطه الخليجي الغني للاعتراف بشرعيته كممثل وحيد للمحافظات الجنوبية، ليطعن بذلك في شخصيته الاعتبارية ويقلل من شأنه في احتقار واعدام للذات، متناساً أنه لن يكن أبداً عربياً ما لم يكن يمنياَ!
كما لم تفده التنازلات تلو التنازلات التي قدمها للإمارات والسعودية لمضاعفة تفكيك البلد الذي مزقته الحرب، مروراً بالانبطاح لرعاته الخليجيين وحلفائهم الغربيين في المشاركة بانتهاك السيادة من خلال التسهيل لهم بإقامة منشئات عسكرية وأمنية وسجون في الجزر والمدن والموانئ والمطارات، وحمايتها، كما هو الحال في عدن بلحاف والعلم ومطار المكلا، خدمة للأجندات الجيوسياسية والاستراتيجية والتجارية العابرة للحدود الوطنية. والحاق اضرار بأنشطة السكان وأعمالهم ومنع حرية التنقل والحركة، وتعطيل المصالح العامة والموارد كالموانئ والمطارات.
ففي جزيرة سقطرى، طردت الامارات والقوات المدعومة منها المواطنين اليمنيين باعتبارهم دخلاء وافدين، ووطنت قواعد وقوات عسكرية أجنبية، وكأنهم سكان أصليين، في ظل رفض واعتراض الحكومة، واندلاع مقاومة سلمية للسكان. كما قامت بنقل مسلحين من خارج المحافظة على طريقة “المرتزقة” لإخضاع أهالي سقطرى. وصف مسؤولون في الحكومة والبرلمان التواجد الاماراتي بـ “الاحتلال”. وبدون اشراف السلطات الحكومة، يتصرف الضباط الاماراتيون في إدارتها كقوة احتلال، وينهبون ثرواتها، كتجريف سمك الشروخ، ويقومون باستحداثات وأعمال هدم تضر بالتنوع الحيوي للجزيرة. كما يحرمون السكان من التنقل في بعض المناطق وممارسة أنشطة صيد ورعي. كما أقدمت الامارات بفصل تأشيرات الدخول في الجزيرة عن نظام الهجرة الوطني، ولم يعد الزائرون لها يخضعون للإجراءات القانونية المتبعة، حيث يصل السياح إليها من الخليج وإسرائيل أسبوعياً في رحلات من أبوظبي، في حين يمنع المواطنون اليمنيون عن طريق الإمارات من دخول الجزيرة.
ومثلها محافظة المهرة، التي تخلو من أي تواجد للحوثيين أو تنظيم القاعدة، الذريعة السهلة لاحتلال المناطق الحيوية من البلاد، لم يشفع لها تواجد القوات الحكومية فيها، التي إما متحالفة مع التحالف أو موالية له، حيث اقتحمتها قوات سعودية، وانشأت فيها معسكرات وثكنات، وتمركزت في منافذها البرية والبحرية ومطارها، وعطلت المصالح السيادية، وأعاقت وقيدت حركة المواطنين في مينائها ومنافذها ومطارها، جوبهت أنشطتها باحتجاجات شعبية غاضبة للسكان، مطالبة بخروجها، وردود فعل للسلطات الحكومية، بوصفها “قوات محتلة”. كما تتواجد قوات بريطانية بغرض “مكافحة التهريب والارهاب” والتخريب، حد وصف سخيف وممجوج للسفير البريطاني إلى اليمن لقناة المهرية.
بالإضافة إلى سقطرى والمهرة، انشأت الامارات في جزيرة ميون “بريم” الواقعة على مدخل باب المندي، قاعدة عسكرية لخدمة أغراضها ومصالحها بمعية شركائها، وقامت بإخلاء عدد من سكانها إلى مناطق مجاورة لباب المندب.
بالإضافة إلى ذلك، ينقاد المجلس الانتقالي وقواته بشكل طيع لأوامر الضباط الاماراتيين المشرفين عليه لممارسة انتهاكات حقوق الانسان، ولعب دور القاتل المأجور والجلاد المأمور في تصفية المُخالفين بالرأي والتعبير لتوجهاته واعتقال واخفاء وتعذيب المئات منهم. وصولاً للقيام بجرائم واعتداءات بحق المدنيين وممتلكاتهم، والتقطع ونهب الأراضي والممتلكات الخاصة، وسرقة الأموال العامة، وممارسة التمييز والفرز العنصري على أساس الهوية. كما يستخدم الانتقالي وسائله الاعلامية للتحريض على الكراهية والعنف ضد اليمنيين والمواطنين من المحافظات الشمالية وقوات الرئيس هادي والأطراف السياسية والاجتماعية غير الموالية لهم في المحافظات الجنوبية، وفي غير مرة، قام بترحيل مواطنين ينتمون لمحافظات شمالية، ومنع آخرين من الدخول إلى عدن أو العبور منها.
بالرغم من محاكاة قادة الانتقالي وقواته في هيئاتهم للتمظهرات الخليجية، مثل ارتداء القمصان والشيلان الخليجية وربطات الرأس الاماراتية والعقال السعودي، وتنغيم لغة المصلحة المشتركة لتقديم نفسه كوكيل مُخلص، إلا أن السعودية ومثلها الامارات وحلفائها في واشنطن ولندن، من واقع تاريخ تحالفاتهم في استدامة العلاقات والمصالح، مازالوا ينظرون بحذر إلى جذر الانتقالي والخلفية الاشتراكية لقادته، ذات النفس الثوري والتحرري المُضمر والمطمور، حتى وإن تنكر الكثير منهم لاشتراكيتهم أو تجاوزونها بفعل الأحداث، خشية من نجاح المساعي الروسية والصينية الأخيرة مع بعض قادة الانتقالي المسكونين بالحنين للماضي، في اختراق الجنوب واحياء العلاقات السابقة أبان عهد الاشتراكية والقومية ومقاومة الاستعمار، حيث سيكون القادة الخليجيون قد خسروا رهانهم. كما يعي الحلفاء الخليجيون ومعهم البريطانيين والامريكيين محاذر إرث وخصائص البيئة الاجتماعية، للجيل السابق، المناهضة للاحتلال. كما أن الانتقالي أظهر سجلاً من المخالفات لأوامر وتوجيهات التحالف، واتسمت بعض القرارات والمواقف التي اتخذها بالانفعالية والتسرع والتقلب والتراجع عن الاتفاقات .لذلك ينظر للانتقالي كحليف غير مأمون الجانب بالنسبة للتحالف، الذي أضحى يعتمد على القادة القادمين من الخلفيات السلفية والمؤتمرية والاصلاح، وشريحة ليبرالية متعلمة من جيل الشباب أكثر نضجاً وانسجاماَ ومراعاة للمصالح والأولويات السعودية والامارتية والبريطانية والامريكية.
كما يبدو، تراجعت شعبية الانتقالي في المحافظات الجنوبية بشكل تنازلي كبير في السنوات الأخيرة جراء سياساته الفاشلة في تحسين الخدمات، وممارساته التمييزية والعنصرية تجاه المواطنين ونهجه الإقصائي والعدائي تجاه الكيانات السياسية والمدنية والاجتماعية الجنوبية.
الآن وبعد أكثر من ست سنوات من بدء الحرب، وفي ظل تنامي الكيانات السياسية والاجتماعية في المحافظات الجنوبية خارج عباءة الانتقالي، وتقهقر قوات أنصار الله الحوثيين في البيضاء وتراجعها عن مدينة مأرب، هل أوشك كرت الانتقالي على النفاذ، وشارفت خدمته ووظيفته المرسومة أجلها؟ وهل حان الوقت لاستبدال قاداته بجيل جديد أكثر ولاء وحميمية لمصالح وأولويات دول الخليج وحلفائها في جنوب اليمن؟
خلفية
خلال الحرب في عدن عام 2015، تكفلت الامارات باحتواء مجاميع مسلحة تابعة لما كان يُعرف سابقاً بالحراك الجنوبي، الذي يطالب بانفصال الجنوب، ضمن فصائل أخرى. كما عين الرئيس هادي عيدروس الزبيدي محافظاً لمحافظة عدن، وشلال شائع مديراً للأمن، ليقيلهما لاحقاً لكنهما رفضا قبول الاقالة. وأعلن عن تشكيل هيئة رئاسة المجلس الانتقالي في 11 مايو 2017 من المحافظات الجنوبية، وضم المجلس شخصيات من الحراك الجنوبي ووزراء ووكلاء محافظات، ويرأس المجلس عيدروس الزبيدي. وبعيدا عن إدارة حكومة هادي، تولت دولة الإمارات، إحدى أبرز الدول المشاركة في التحالف الذي قادته السعودية التي أعلنت أنه هدف لـ “إعادة الحكومة الشرعية”، الاشراف على تشكيل كيانات مسلحة موازية للقوات الموالية للرئيس هادي، قامت بتدريبها وتسليحها وتمويلها في المحافظات الجنوبية. وأطلقت عليها تسميات، كقوات “الحزام الأمني” في محافظات عدن ولحج وأبين والضالع، وقوات النخب ي حضرموت وشبوة، ولا تخضع لأوامر الرئيس والحكومة، بل يشرف عليها موالون للإمارات، ويأتمرون بتوجيهات ضباط اماراتيين، استخدمتها في ملاحقة القاعدة وقمع المخالفين. وقبل منتصف أغسطس 2019، قامت قوات “الحزام الأمني” بالتمرد على حكومة هادي، واشتبكت مع القوات الموالية لها، لتسيطر على عدن بعد معارك ضارية دامت 4 أيام ضد القوات الحكومية سقط فيها عشرات القتلى والجرحى.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520.